فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ عاصم وحمزة: {قُلِ انظروا} بكسر اللام لالتقاء الساكنين والأصل فيه الكسر، والباقون بضمها نقلوا حركة الهمزة إلى اللام.
المسألة الثانية:
اعلم أنه تعالى لما بين في الآيات السالفة أن الإيمان لا يحصل إلا بتخليق الله تعالى ومشيئته، أمر بالنظر والاستدلال في الدلائل حتى لا يتوهم أن الحق هو الجبر المحض.
فقال: {قُلِ انظروا مَاذَا في السموات والأرض}.
واعلم أن هذا يدل على مطلوبين: الأول: أنه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بالتدبر في الدلائل كما قال عليه الصلاة والسلام: «تفكروا في الخلق ولاتتفكروا في الخالق» والثاني: وهو أن الدلائل إما أن تكون من عالم السموات أو من عالم الأرض، أما الدلائل السماوية، فهي حركات الأفلاك ومقاديرها وأوضاعها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب، وما يختص به كل واحد منها من المنافع والفوائد، وأما الدلائل الأرضية، فهي النظر في أحوال العناصر العلوية، وفي أحوال المعادن وأحوال النبات وأحوال الإنسان خاصة، ثم ينقسم كل واحد من هذه الأجناس إلى أنواع لا نهاية لها.
ولو أن الإنسان أخذ يتفكر في كيفية حكمة الله سبحانه في تخليق جناح بعوضة لانقطع عقله قبل أن يصل إلى أقل مرتبة من مراتب تلك الحكم والفوائد.
ولا شك أن الله سبحانه أكثر من ذكر هذه الدلائل في القرآن المجيد، فلهذا السبب ذكر قوله: {قُلِ انظروا مَاذَا في السموات والأرض} ولم يذكر التفصيل، فكأنه تعالى نبه على القاعدة الكلية، حتى أن العاقل يتنبه لأقسامها وحينئذ يشرع في تفصيل حكمة كل واحد منها بقدر القوة العقلية والبشرية، ثم إنه تعالى لما أمر بهذا التفكر والتأمل بين بعد ذلك أن هذا التفكر والتدبر في هذه الآيات لا ينفع في حق من حكم الله تعالى عليه في الأزل بالشقاء والضلال، فقال: {وَمَا تُغْنِى الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال النحويون: {مَا} في هذا الموضع تحتمل وجهين: الأول: أن تكون نفيًا بمعنى أن هذه الآيات والنذر لا تفيد الفائدة في حق من حكم الله عليه بأنه لا يؤمن، كقولك: ما يغني عنك المال إذا لم تنفق.
والثاني: أن تكون استفهامًا كقولك: أي شيء يغني عنهم، وهو استفهام بمعنى الإنكار.
المسألة الثانية:
الآيات هي الدلائل، والنذر الرسل المنذرون أو الإنذارات.
المسألة الثالثة:
قرئ: {وَمَا يُغْنِى} بالياء من تحت. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قل انظروا في السماوات والأرض}
هذه الآية أمر للكفار بالاعتبار والنظر في المصنوعات الدالة على الصانع وغير ذلك من آيات السماوات وأفلاكها وكواكبها وسحابها ونحو ذلك، والأرض ونباتها ومعادنها وغير ذلك، المعنى: انظروا في ذلك بالواجب فهو ينهاكم إلى المعرفة بالله والإيمان بالله والإيمان بوحدانيته، وقرأ أبو عبد الرحمن والعامة بالبصرة، {قلِ انظروا} بكسر اللام، وقرأ نافع وأهل المدينة: {قلُ انظروا} بضم اللام، ثم أعلم في آخر الآية أن النظر في الآيات والسماع من النذر وهم الأنبياء لا يغني إلا بمشيئة الله، وأن ذلك غير نافع لقوم قد قضى الله أنهم لا يؤمنون، وهذا على أن تكون: {ما} نافية، ويجوز أن يعد استفهامًا على جهة التقرير الذي في ضمنه نفي وقوع الغناء، وفي الآية على هذا توبيخ لحاضري رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، وقوله: {الآيات والنذر}، حصر طريقي تعريف الله تعالى عباده، ويحتمل أن تكون: {ما} في قوله: {وما تغني}، مفعولة بقوله: {انظروا} معطوفة على قوله: {ماذا}، أي تأملوا قدر غناء الآيات والنذر عن الكفار إذا قبلوا ذلك كفعل قوم يونس فإنه يرفع بالعذاب في الدنيا والآخرة وينجي من المهلكات، فالآية على هذا تحريض على الإيمان.
قال القاضي أبو محمد: وتجوز اللفظ على هذا التأويل إنما هو في قوله: {لا يؤمنون}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض}
أمرٌ للكفار بالاعتبار والنظر في المصنوعات الدّالة على الصانع والقادر على الكمال.
وقد تقدّم القول في هذا المعنى في غير موضع مستوفى.
{وَمَا تُغْنِي} ما نفي؛ أي ولن تغنى.
وقيل: استفهامية؛ التقدير أيّ شيء تغني.
{الآيَاتُ} أي الدّلالات.
{والنُّذُرُ} أي الرسل، جمع نذير، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
{عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أي عمن سبق له في علم الله أنه لا يؤمن. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {قل انظروا} أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يسألونك الآيات انظروا يعني انظروا بقلوبكم نظر اعتبار وتفكر وتدبر: {ماذا في السموات والأرض} يعني: ماذا خلق الله في السموات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته ففي السموات الشمس والقمر وهما دليلان على النهار والليل والنجوم سخرها طالعة وغاربة وإنزال المطر من السماء وفي الأرض الجبال والبحار والمعادن والأنهار والأشجار والنبات كل ذلك آية دالة على وحدانية الله تعالى وأنه خالقها كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

{وما تغني الآيات والنذر} يعني الرسل: {عن قوم لا يؤمنون} وهذا في حق أقوام علم الله أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأزل من الشقاء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
{قُلْ} مخاطِبًا لأهل مكةَ بعثًا لهم على التدبر في ملكوت السمواتِ والأرض وما فيهما من تعاجيب الآياتِ الأنفسية والآفاقية ليتضحَ لك أنهم من الذين لا يعقِلون وحقّت عليهم الكلمة: {انظروا} أي تفكروا وقرئ بنقل حركةِ الهمزةِ إلى لام قل: {مَاذَا في السموات والأرض} أي أيُّ شيءٍ بديعٍ فيهما من عجائب صُنعه الدالةِ على وحدته وكمالِ قدرتِه على أن ماذا جعل بالتركيب اسمًا واحدًا مغلّبًا فيه الاستفهامُ على اسم الإشارةِ فهو مبتدأٌ خبرُه الظرفُ ويجوز أن يكون (ما) مبتدأ وذا بمعنى الذي والظرفُ صلته والجملةُ خبرٌ للمبتدأ وعلى التقديرين فالمبتدأ والخبرُ في محل النصبِ بإسقاط الخافضِ وفعلُ النظر معلقٌ بالاستفهام: {وَمَا تُغْنِى} أي ما تنفع وقرئ بالتذكير: {الآيات} وهي التي عبر عنها بقوله تعالى: {مَاذَا في السموات والأرض}، {والنذر} جمع نذير على أنه فاعل بمعنى منذر أو على أنه مصدر أي لا تنفع الآيات والرسل المنذرون أو الإنذارات: {عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} في علم الله تعالى وحكمه فما نافية والجملة إما حالية أو اعتراضية ويجوز كون ما استفهاميةً إنكاريةً في موضع النصبِ على المصدرية أي أي إغناء تغني إلخ، فالجملة حينئذ اعتراضية. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلِ انظروا} خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أن يأمر الكفرة الذين هو عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم بالتفكر في ملكوت السموات والأرض وما فيهما من عجائب الآيات الآفاقية والأنفسية ليتضح له صلى الله عليه وسلم أنهم من الذين لا يعقلون؛ وكأنه متعلق بما عنده، وتعليقه بقوله سبحانه: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس} [يونس: 99] إلخ على معنى لا تكره الناس على الإيمان ولكن اؤمرهم بما يتوصل به إليه عادة من النظر لا يخلو عن النظر، وقيل: إنه تعالى لما أفاد فيما تقدم أن الإيمان ولكن أؤمرهم بما يتوصل به إليه عادة من النظر لا يخلو عن النظر، وقيل: إنه تعالى لما أفاد فيما تقدم أن الإيمان بخلقه سبحانه وأنه لا يؤمن من يؤمن إلا من بعد إذنه وأن الذين حقت عليهم الكلمة لا يؤمنون أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بالنظر لئلا يزهد فيه بعد تلك الإفادة، وأرى الأول أولى، وجاء ضم لام قل وكسرها وهما قراءتان سبعيتان، وقوله سبحانه: {مَاذَا في السموات والأرض} في محل نصب بإسقاط الخافض لأن الفعل قبله معلق بالاستفهام لأن: {مَا} استفهامية وهي مبتدأ و: {ذَا} بمعنى الذي والظرف صلته وهو خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون: {مَاذَا} كله اسم استفهام مبتدأ والظرف خبره أي أي شيء بديع في السموات والأرض من عجائب صنعته تعالى الدالة على وحدته وكمال قدرته جل شأنه.
وجوز أن يكون: {مَاذَا} كله موصولًا بمعنى الذي وهو في محل نصب بالفعل قبله، وضعفه السمين بأنه لا يخلو حينئذٍ من أن يكون النظر قلبيًا كما هو الظاهر فيعدى بفي وأن يكون بصريًا فيعدى بإلى: {وَمَا تُغْنِى الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أي ما تكفيهم وما تنفعهم، وقرئ بالتذكير، والمراد بالآيات ما أشير إليه بقوله سبحانه: {مَاذَا في السموات والأرض} ففيه إقامة الظاهر مقام المضمر: {والنذر} جمع نذير بمعنى منذر أي الرسل المنذرون أو بمعنى إنذار أي الإنذارات، وجمع لإرادة الأنواع، وجوز أن يكون: {النذر} نفسه مصدرًا بمعنى الإنذار، والمراد بهؤلاء القوم المطبوع على قلوبهم أي لا يؤمنون في علم الله تعالى وحكمه و: {مَا} نافية والجملة اعتراضية، وجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير: {قُلْ} وفي القلب من جعلها حالًا من ضمير: {انظروا} شيء فانظروا، ويتعين كونها اعتراضية إذا جعلت: {مَا} استفهامية إنكارية، وهي حينئذٍ في موضع النصب على المصدرية للفعل بعدها أو على أنه مفعول به له، والمفعول على هذا وكذا على احتمال النفي محذوف إن لم ينزل الفعل منزلة اللازم أي ما تغنى شيئًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
استئناف ناشئ عن قوله: {ولو شاء ربك لآمن مَن في الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس} [يونس: 99] إلخ.
قسّم الناس إلى قسمين: مؤمنين وكافرين، أي فادعهم إلى النظر في دلائل الوحدانية والإرشاد إلى تحصيل أسباب الإيمان ودفع غشاوات الكفر، وذلك بالإرشاد إلى النظر والاستدلال بما هو حول الإنسان من أحوال الموجودات وتصاريفها الدالة على الوحدانية، مثل أجرام الكواكب، وتقادير مسيرها، وأحوال النور والظلمة والرياح والسحاب والمطر، وكذلك البحار والجبال.
وافتتحت الجملة بـ: {قل} للاهتمام بمضمونها.
وقد عمم ما في السماوات والأرض لتتوجه كلّ نفس إلى ما هو أقرب إليها وأيسر استدلالًا عليه لديها.
والنظر: هنا مستعمل فيما يصلح للنظر القلبي والنظر البصري، ولذلك عدل عن إعماله عمل أحد الفعلين لكيلا يتمحض له، فَجيءَ بعده بالاستفهام المعلّق لكلا الفعلين بحيث أصبح حمل النظر على كليهما على حد السواء فصار صالحًا للمعنيين الحقيقي والمجازي، وذلك من مقاصد القرآن.
و: {ماذا} بمعنى ما الذي، و(ما) استفهام، و(ذا) أصله اسم إشارة، وهو إذا وقع بعد (ما) قَام مقام اسم موصول.
و: {في السماوات والأرض} قائم مقام صلة الموصول.
وأصل وضع التركيب: مَا هذا في السماوات والأرض، أي ما المشار إليه حال كونه في السماوات والأرض، فكثر استعماله حتى صار في معنى: ما الذي.
والمقصود: انظروا ما يدلكم على جواب هذا الاستفهام، فكل شيء له حالة فهو مراد بالنظر العقلي بتركيبه في صورة مفعولين، نحو: انظروا الشمس طالعة، وانظروا السحاب ممطرًا، وهكذا، وكل شيء هو في ذاته آية فهو مراد بالنظر البصري نحو: انظروا إنبات الأرض بعد جدبها فهو آية على وقوع البعث.
ف (ذا) لما قام مقام اسم الموصول صار من صيغ العموم تشمل جميع الأجرام وأعراضها الدالة على وحدانية الله وحكمته، وأخص ذلك التأمل في خُلق النبي صلى الله عليه وسلم ونشأة دعوته، والنظر فيما جاء به.
فكل ذلك دلائل على كماله وصدقه.
وقد طوي في الكلام جواب الأمر لوقوع الأمر عقب أسباب الإيمان، فالتقدير: انظروا تَرَوا آيات مُوصّلة إلى الإيمان.
وجملة: {وما تغني الآيات} معترضة ذيلت بها جملة: {انظروا ماذا في السماوات والأرض} فيجوز أن تكون متممة لمقول القول مما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم ويجوز أن تكون استئناف كلام من الله تعالى.
والمعنى أبلغهم ما أمرت بتبليغه إليهم وليست تغني الآيات عن قوم لا يؤمنون، أي الذين جعل الله نفوسهم لا تؤمن، ولما كان قوله: {انظروا ماذا في السماوات والأرض} مفيدًا أن ذلك آيات كما تقدم حَسُن وقع التعبير عنها بالآيات هنا، فمعنى: {وما تغني الآيات}: وما يغني ما في السماوات والأرض عن قوم لا يؤمنون، فكان التعبير بالآيات كالإظهار في مقام الإضمار.
وزيدت (النذر) فعطفت على الآيات لزيادة التعميم في هذه الجملة حتى تكون أوسع دلالة من التي قبلها لتكون كالتذييل لها، وذلك أن القرآن جاء للناس بالاستدلال وبالتخويف ثم سجل على هذا الفريق بأنه لا تنجع فيه الآيات والأدلة ولا النذر والمخوفات.
ولفظ: {قوم لا يؤمنون} يفيد أن انتفاء الإيمان عنهم وصف عرفوا به وأنه مستقر من نفوسهم، لأن اجتلاب لفظ: {قوم} هنا مع صحة حلول غيره محله يشير إلى أن الوصف المذكور بعده من مقومات قوميتهم لأنه صار من خصائصهم، بخلاف ما لو قيل: عمن لا يؤمنون.
ألا ترى إلى قول العنبري:
قومٌ إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهم ** طاروا إليه زَرافات ووُحدانا

أي قوم هذه سجيتهم.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار} إلى قوله: {لآياتٍ لقوم يعقلون} في سورة البقرة (164).
وتقدم في هذه السورة غير مرة آنفًا.
وهو هنا أبدع لأنه عدل به عن الإضمار.
وهذا من بدائع الإعجاز هنا. اهـ.